کد مطلب:280387 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:254

حکمة الاخبار بالغیب
الإخبار بالغیب من الأمور التی یمتحن الله تعالی بها عباده. قال تعالی: (ولیعلم الله من ینصره ورسله بالغیب إن الله قوی عزیز) [1] قال فی المیزان: المراد بنصره ورسله. الجهاد فی سبیله دفاعا عن مجتمع الدین وبسطا لكلمة الحق، والمراد بعلمه بمن ینصره ورسله تمیزهم ممن لا ینصر، وقوله تعالی: (إن الله قوی عزیز) إشارة إلی إن أمره بالجهاد إنما هو لیمیز الممتثل منهم من غیره، لا حاجة منه تعالی إلی ناصر ینصره. إنه تعالی قوی لا سبیل للضعف إلیه. عزیز لا سبیل للذلة إلیه. [2] .

وعلی طریق الإخبار بالغیب یكون الثواب والعقاب فی الحیاة الدنیا والآخرة. ومن الذین یدخلون إلی دائرة الأمان كل من تحرك الحركة الصحیحة نحو الأحداث التی تستقبل الناس والتی أخبر بها الأنبیاء والرسل. قبل أن تأتی آیات الله لا ینفع نفسا إیمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فی إیمانها خیرا، فدائرة الأمان یدخلها من تعامل مع الإخبار بالغیب تعامل المتفكر المتذكر لتكون حركته فی الدنیا مرتبطة بالله تعالی. وفی الآخرة یدخل الذین یخشون ربهم بالغیب. والذین أخذوا بأسباب الحیاة الكریمة فی مغفرة الله جل وعلا. قال تعالی: (إن الذین یخشون ربهم بالغیب لهم مغفرة وأجر كبیر) [3] قال فی المیزان:



[ صفحه 41]



وعد سبحانه خشیتهم بالغیب. لكون ما آمنوا به محجوبا عنهم تحت حجب الغیب.

والله تعالی یعلم الغیب لذاته قال سبحانه (وعنده مفاتح الغیب لا یعلمها إلا هو) [4] فالآیة أفادت معنی الأصالة، فعلم الغیب فی الأصل یختص بالله تعالی وغیره یعلمه منه سبحانه، وهو سبحانه یظهر لرسله ما شاء من الغیب. قال تعالی: (عالم الغیب فلا یظهر علی غیبه أحدا إلا من ارتضی من رسول). [5] .

وإخبار الأنبیاء والرسل بالغیب عند ربهم. فیه لطف من الله لعبادة وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء، فالله یعلم أن عباده یجهلون أكثر مصالحهم وطرقها فی الحیاة، ولذا سن سبحانه الشرایع وما فیه خیرهم.

لیدلهم علی الصراط المستقیم والسعادة الدائمة ویزجرهم عما فیه الفساد، ولعلمه سبحانه أن أكثر عباده لا یطیعونه فیما شرع لهم، أظهر لرسله بعض ما یستقبل الناس من أحداث فی الدنیا والآخرة، لیكون هذا الإخبار بالغیب حجة وسراج یهدی إلی الطریق المستقیم. لیهلك من هلك عن بینة، والإخبار بالغیب فی خطوطه العریضة لطف ورحمة. ولا یرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن یكون العباد متمرسین علی طاعته سبحانه غیر منقادین إلی أوامره ونواهیه، لأنه سبحانه اللطیف بعباده الجواد الكریم. یلطف ویأمر بالطاعة لأنه مرید لها وینهی عن المعصیة لأنه كاره لها.

ومنهج البحث فی هذا الكتاب یتخذ من الإخبار بالغیب عمودا فقریا للوصول إلی الحقیقة التی یجلس علی قمتها آخر الزمان المهدی المنتظر رمزا لطائفة الحق. و المسیح الدجال رمزا للانحراف



[ صفحه 42]



والشذوذ، ومعنی تتبع الإخبار بالغیب للوصول إلی الحقیقة، هو إیمانی بأن النبوءة هی التی تفسر التاریخ ولیس العكس، فالأنبیاء یخبرون بالغیب عن ربهم فیما یستقبل الناس، وهذا الإخبار إما فی دائرة التحذیر وإما فی دائرة التبشیر، وكل دائرة لا بد أن یكون لها أصحاب وأتباع، والله تعالی له فی كل موضع فی هذا الكون شاهد وهذا الشاهد حجة، وبالنظر إلی هذه الدوائر بضوء الإخبار بالغیب یمكن أن نری حقیقة الحركة الإنسانیة. حركة التاریخ تحت سقف الامتحان والابتلاء. ومن هذه الحركة یمكن أن نخرج بمضمون وبقضیة وبهدف. ویمكن أن نضع أیدینا بكل یسر علی العروة الوثقی التی نحكم بها علی المسیرة التاریخیة. تلك المسیرة التی ظهر علی ساحتها العدید من أعلام الزینة والإغواء والأهواء ودخل أصحابها فی دائرة التحذیر. وعندما أصبحوا أعمدة فی هذه الدائرة، حذرت النبوءة منهم ومن دوائرهم. ثم سلطت أضواءها علی دائرة التبشیر لیتحرك الناس الحركة التی یحبون أن ینظر الله إلیهم وهم یتحركونها. لأن سنة استخلاف الإنسان فی الأرض تقوم علی حكمة لینظر الله كیف تعملون.

وبالجملة: لقد حذر الوحی من الشیطان. وحذرت النبوءة من المنافقین والمترفین الذین اتخذوا من الصد عن سبیل الله هدفا لهم، وفی دائرة التحذیر وقف الشیطان وبرنامجه وأتباعه من أهل الأهواء تحت ضوء الإخبار بالغیب، لیتبین الناس الوقود الذی أمد المسیرة.

ویعلموا أن التاریخ وإن ظهر كوحدة واحدة، إلا أنه فی الحقیقة وحدة إنسانیة واحدة ذات حركتین، حركة حق وحركة باطل، ولأن الحاضر ابنا للماضی فإنه یرث هذه التركة وینطلق بها إلی المستقبل. وعلی الإنسان فی هذه الحالة أن ینقب ویبحث وینظر فیما حوله من حجج علیه. لأنه مستخلف فی الأرض. والاستخلاف یقتضی حركة. والحركة منظورة من الله.



[ صفحه 43]



. ولما كنا نهدف من هذه الدراسة أن نمسك بخیوط المسیح الدجال والمهدی المنتظر، فإننا لا یمكن أن ننحی مصادر أهل الكتاب جانبا، ومصادر أهل الكتاب وأقصد الكتاب المقدس. وأن كان قد ذهب منه الكثیر من الوحی، ودخل فیه الشئ الكثیر من الأوهام حتی أصبح الكتاب به الكثیر من المتناقضات، وبهذا شهد علماء مقارنة الأدیان والحضارة من أهل الكتاب أنفسهم، وشهد القرآن الكریم أن أیدی أهل الكتاب امتدت إلی النصوص بالحذف والإضافة. وبأنهم استبدلوا نصوص تحمل التوجیه الإلهی بغیرها تعبر عن المصلحة والهوی عند الأحبار والرهبان. إلا أن الكتاب المقدس لا یخلو من وحی إلهی ومعالم سماویة باهتة. وهذا الوحی الظاهر حجة علی أهل الكتاب لأنه یرشدهم إلی دعوة النبی الخاتم (ص)، أما المعالم الباهتة والمتناقضات فهی دعوة لقبول البینة التی حملها رسول من الله یتلو صحفا مطهرة.

وفی دراستنا هذه سنسلط الأضواء علی المسیرة التاریخیة لبنی إسرائیل. من واقع إخبار أنبیائهم بالغیب عن ربهم، وذلك لنقف علی الانحراف وحجمه وإلی أین قاد أتباعه، وعلی امتداد عملیة الرصد هذه سنسلط الأضواء القرآنیة علی هذه الأحداث والانحرافات، لیظهر طریق الخیر وطریق الشر ونمیز ما هو تقوی فی هذه الأحداث مما هو فجور، وعند البحث عن الخلل فی سیرة الأمة الخاتمة. سننطلق من الأصول وننظر فی المسیرة من خلال إخبار النبی (ص) بالغیب عن ربه، ثم ننظر علیها وهی تشق طریقها نحو المستقبل، وعلی هذا التصور أقدم قراءتی لحركة التاریخ.


[1] سورة الحديد آية 25.

[2] الميزان 172 / 19.

[3] سورة الملك آية 12.

[4] سورة الأنعام آية 59.

[5] سورة الجن آية 26.